اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك علي محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد



Saturday, January 20, 2007


الشباب والإجازة المؤلف: الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد...
فبمناسبة الإجازة الحالية فإنه يسرني أن أوصي الشباب خاصة والمسلمين عامة بتقوى الله عز وجل أينما كانوا واستغلال هذه الإجازة فيما يرضي الله عنهم ويعينهم على أسباب السعادة والنجاة..
ومن ذلك شغل هذه الإجازة بمراجعة الدروس الماضية والمذاكرة فيها مع الزملاء لتثبيتها والاستفادة منها في العقيدة والأخلاق والعمل، كما أوصي جميع الشباب بشغل هذه الإجازة بالاستكثار من قراءة القرآن الكريم بالتدبر والتعقل وحفظ ما تيسر منه؛ لأن هذا الكتاب العظيم هو أصل السعادة لجميع المسلمين، وهو ينبوع الخير ومنبع الهدى، أنزله الله سبحانه تبياناً لكل شيء وهدىً ورحمةً وبشرى للمسلمين، وجعله سبحانه هادياً للتي هي أقوم ورغب عباده في تلاوته وتدبر معانيه..
قال سبحانه: أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها وقال تعالى: كتابٌ أنزلناه إليك مبارك ليدَّبروا آياته وليتذكر أولو الألبابِ وقال عز وجل: إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقومُ .
فنصيحتي للشباب ولجميع المسلمين أن يكثروا من تلاوته وتدبر معانيه وأن يتدارسوه بينهم للعلم والاستفادة وأن يعملوا به أينما كانوا، كما أوصي الشباب وجميع المسلمين بالعناية بسنة رسول الله وحفظ ما تيسر منها ولا سيما في هذه الإجازة مع العمل بمقتضاها. لأنها الوحي الثاني والأصل الثاني من أصول الشريعة.
كما أوصي جميع الشباب بالحذر من السفر إلى بلاد غير المسلمين لما في ذلك من الخطر على عقيدتهم وأخلاقهم. ولأن بلاد المسلمين في أشد الحاجة إلى بقائهم فيها للتوجيه والإرشاد والتناصح والتعاون على البر والتقوى والتواصي بينهم بالحق والصبر عليه.
وأوصي جميع المدرسين في هذه الإجازة باستغلالها في إقامة الحلقات العلمية في المساجد والمحاضرات والندوات لشدة الحاجة إلى ذلك، كما أوصيهم جميعاً بالتجول للدعوة إلى الله في البلدان المحتاجة لذلك حسب الإمكان، وزيارة المراكز الإسلامية والأقليات الإسلامية في الخارج للدعوة والتوجيه، وتعليم المسلمين ما يجهلون من دينهم وتشجيعهم على التعاون فيما بينهم والتواصي بالحق والصبر عليه، وتشجيع الطلبة الموجودين هناك على التمسك بدينهم والعناية بما ابتُـعثوا من أجله والحذر من أسباب الانحراف، مع وصيتهم بالعناية بالقرآن الكريم حفظاً وتلاوةً وتدبراً، وعملاً بالسنة المطهرة حفظاً ومذاكرةً وعملاً بمقتضاها.
وأسأل الله أن يوفق المسلمين شيباً وشباباً وأساتذةً.. وطلاباً وعلماء وعامة لكل ما فيه صلاحهم وسعادتهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة إنه جواد كريم. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله وصفوته من خلقه نبينا محمد وآله وصحبه

الغنائم الخمس

حثّ النبي على اغتنام العمر فقال: { اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك } [رواه الحاكم وصححه الألباني].

شبابك قبل هرمك
كم من شاب انفتل في ريعان شبابه وأصابته مقاتل إعجابه، لم يتذكر أن الموت يقطع كل لذة ويفسد كل متعة، وأن المنايا تخبط في الناس خبط عشواء، ومع ذلك فهو في اللهو واللعب ممتطياً كل ذلول وصعب، فلم يشعر بنفسه إلا والروح في الحلقوم تغرغر، وإلى من حوله ينظر هل من راق فيرقيه أو شاف فيشفيه وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ [سبأ:54]، وإن كان ممن أمهل حتى طال عمره وهو كذلك في لهوه ولعبه فإذا الأيام تنصرم والأعوام تندرس، فما يدرك نفسه إلا وهو في غياهب الكهولة تهب عليه عواصف الهرم فحينئذ لا ينفع الندم. عن أبي هريرة عن النبي أنه قال: { أعذر الله إلى امرئ أخّر أجله حتى بلّغه ستين سنة } [رواه البخاري].
قال العلماء: ( معناه لم يترك له عذراً إذا أمهله هذه المدة
).


وصحتك قبل سقمك

وكم من صحيح معافى داهمه السقم قبل أن يتحصن منه، فهو إما أن يكون ممن أصابته أمراض البدن فلم يعد قادراً على أداء المأمور به من العبادات وقد كان معافى فلم يبادر إليها؛ فتمنى ألا يكون قد فرّط أيام عافيته، وإما أن يكون ممن أصابه داء الغفلة فمرض قلبه حتى تراكمت الذنوب عليه فصارت راناً لا يمكنه التخلص منه كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطفيين:14] فأنى لمثل هذا أن يتدارك نفسه ( إلا أن يشاء الله ) وقد أضاع عمره بين سيئات الأماني ورديء المعاني، فما أدرك نفسه إلا وهو صريع الفراش، قد باع نفسه من الشيطان ببلاش أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ
حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الزمر:56-58].


وغناك قبل فقرك
وكم من غني موسر غزته جيوش الفقر والفاقة قبل أن يملأ خزائن آخرته. لم يبال من أي مصدر جمع أمواله، وما ترك مصرفاً من مصارف لذائذه وشهواته إلا وأنفق فيه إلا مصارف البر والإحسان لم يكن لها نصيب من نفقاته، وقد قال المعصوم : { لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع } وذكر منها: { وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه } [رواه الترمذي وصححه الألباني].
فلم يشعر ذلك الغني إلا وهو بين براثن الفقر يقلب كفيه وهي خاوية، وحاله كحال أصحاب الجنة إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ إلى أن قال سبحانه: كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [القلم:17-33].


وفراغك قبل شغلك
وكم من متفرغ من الأعباء والمسئوليات أوقاته واسعة، والنعم بين يديه راتعة، فلم يقدر لذلك قدراً، ولم يعرف للنعمة عليه حقاً، بل أضاع أوقاته ما بين اللعب والطرب والسهر والسفر، قد انشغل بما لا يصلح شغلاً في الحقيقة، قتلته سهام الأماني ورماح التسويف، وليت هذا وأمثاله يستشعر قول المصطفى : { نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ } [رواه البخاري]. وصدق القائل:
إن الشباب والفراغ والجدة *** مفسدة للمرء أي مفسدة
مرّ أحد السلف عل قوم يتسامرون في مقهى قد علا ضحكهم وكثر لغطهم فتأوّه وقال: ( ليت أن الأوقات تباع وتشترى لاشتريت من هؤلاء أوقاتهم ). فمن حاله كذلك ولم يبادر إلى التوبة النصوح لن يستفيق إلا حين ينادى عليه: كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ [المؤمنون:112].


وحياتك قبل موتك
وكم من حي غزاه الموت قبل أن يغزو إليه، اشتغل بدنياه وغرّته الأماني فلم يستفد من حياته إلا ما أكل فأفنى أو لبس فأبلى، ولم يفق إلا وهو في عسكر الموتى مرهون بعمله، ولسان حاله يقول: رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ [المؤمنون:100،99] وما أكثر هؤلاء في هذا الزمان، أقوام هم في عداد الأحياء وهم في الحقيقة أموات.
قد مات قوم وما ماتت مكارمهم *** وعاش قوم وهم في الناس أموات
فيا شاباً غرّه شبابه وأهلكه إعجابه، أما تعلم أن عاقبة الشباب هرم، أما علمت أن الموت بالمرصاد، والمنايا تتخطف الأكابر والأصاغر، والأباعد والأقارب، فما يدريك لعل الساعة الآتية ساعتك والمنية منيتك، فليت شعري ما الذي تتمناه وأنت في السكرات قد غشيتك العبرات. أأغنية تريد سماعها أم خمرة تدير كأسها، أم بغية تفجر بها، أم تريد ما قال ربك على لسان أولئك: رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ [المؤمنون:100،99].
ويا شيخاً أضاء الشيب طلعة محياه، قد استحيا الله منك فهل استحييت منه، قد جاءتك نذر ربك، فما عذرك من أولئك النذر إذا قيل لك: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ [غافر:37]، أم أنت كما قال القائل:
شاب الصبا والتصابي بعد لم يشب *** وضاع وقتك بين اللهو والعب
وشمس عمرك قد حان الغروب لها *** والفيء في الأفق الغربي لم يغب
كم ذا التخلف والدنيا قد ارتحلت *** ورسل ربك قد وافتك في الطلب
وكيف سيكون لقاؤك لرسل ربك، وما ردك عند طلبهم لك، فوصيتي إليك أيها الشيخ أن تستعد للقاء ما دمت في البقاء، واربط حزام الإيمان لعلك تصل إلى الله بأمان.
ويا فتاة فتنت بحسن طلعتها وبهجتها وجمالها، فتنت بالثياب وموضتها، والشعور وقصتها، والقنوات وفضيحتها، والمجلات وخلاعتها، أيسرك أن تلقى ربك بهذا، أما تذكرت حديث الكاسيات العاريات، المائلات المميلات، اللاتي لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها؟! أما تذكرت أن أكثر أهل النار من النساء فتتقي ذلك بالتوبة النصوح؟!
فشمري يا أختاه عن ساعد الجد، واعلمي أن الدنيا لا تدوم على حال، وأن الموت قد يحول بينك وبين الآمال، وفقني الله وإياك لصالح الأعمال.
وأخيراً.. أخي رعاك الله قبل رحيل هذا القلم أذكرك بالرحيل الأعظم، واسأل نفسك بأي شيء تلقى ربك؟! ما جوابك حين تقف أمامه فيسألك: ( يا عبدي، ألم أصح جسدك، ألم أطعمك وأروك من الماء البارد ) ما حيلتك حين يقررك بذنوبك فتراها في صحيفتك لم تغادر منها شيئاً؟! فوالله إن ذل ذلك الموقف وخجله لهو عذاب في حد ذاته، فكيف بجهنم أعاذني الله وإياك؟ لكني أزفها إليك بشرى من لسان من لا ينطق عن الهوى حتى لا تقنط من رحمة ربك سبحانه، فإنه مع ذلك كله يضع كنفه على عبده فإذا قرره بذنوبه قال له: ( يا عبدي سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم ).
فهل لك أخي أن تراجع النفس قبل أن يضيق النفس، وتعود إلى ربك قبل أن يختم على قلبك: كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ [ القيامة:26-30].